المبدع دوماً / الشاعر فاروق جويده

ياسيدي الفرعون..
قبلك ألف فرعون فجر
وأطاح بالدنيا.. وعربد في البشر
والشعب في صمت صبر
وأراك دمرت الحدائق.. والمصانع
...واستبحت دم الشجر
وأطحت بالأشجار.. شردت العصافير الجميلة..
واعتقلت الصبح.. واغتلت القمر
وتقول إنك أول الرسل العظام..
وآخر الرسل الكرام..
وفيك سر الله..
حين تشاء تعصف كالقدر!!
ياسيدي الفرعون قل لي
كيف أدمنت الفساد
وبأي حق
قد ورثت الحكم في هذي البلاد
وبأي دين..
قد ملكت الأرض فيها.. والعباد
مولاي لا تغضب..
إذا ما جاء دورك في المزاد
ورأيت عرشك بعض ما أكل الحريق
وبعض ما ترك الرماد
ورأيت تاج الملك..
يهوي فوق رأسك مثل أسراب الجراد
اقرأ حكايا الملك يامولاي..
تدرك أين أصبح قوم عاد
أتراك تعرف ما الذي خنق الجياد ؟
الجالسون علي الكراسي في عناد
الراكعون أمام أصنام الفساد
البائعون لكل شيء في المزاد
انظر إلي لون الوجوه..
وكيف غطاها السواد
انظر إلي حزن الأرامل..
خلف أثواب الحداد
هذي بلاد لم تعد
في ظل بطشك كالبلاد
صغرت بنا الأشياء.. ضاق الكون
صرنا لا نراه
الناس تهرب في الشوارع..
والحياة بلا حياه
والنهر يغرق كل يوم في دماه
مرت عليه غرائب الأيام..
من قهر.. إلي قهر..
ومن ذل إلي ذل
وجف النيل من بطش الطغاه
وطن بعرض الكون يبحث عن مداه
وطن بطول الكون يسقط من علاه
يتوكأ المسكين في الآفاق..
يسأل عن سماه
مازال يصغر في العيون.. وينحني
حتي تلاشت بين أعيننا خطاه
مولاي..
قد تصغر الأشياء بين عيوننا
وتتوه كالأيام في بحر الزمن
وتظل تصغر.. تصبح الأنهار تابوتا
ويغدو ماؤها الفضي
كالبئر العفن
تغدو الوجوه ملامحا رحلت
وطيفا من شجن
تتكسر الأشواق.. والذكري
وما عشناه فيها من محن
قد يصغر الإنسان..
حين ينام في حضن التراب..
ويحتويه الصمت.. يدفئه الكفن
لكن شيئا في العيون يظل يكبر
كلما صغرت بنا الدنيا.. نسميه الوطن
ما أصغر الدنيا إذا صغر الوطن
ما أرخص الأشياء إن هان الوطن
تخبو ملامحه.. ويهدأ صوته
ويصير نبضا خافتا فوق الزمن
ويضيق كالشريان.. ترتعد الدماء..
ويحتويها الخوف في قلب وهن
يبدو كطيف في جوانحنا سكن
ونظل نبحث كلما صغرت بنا الأشياء
عن وجه قديم.. للوطن

*******

يا سيدي الفرعون..
كيف أنام.. والأبناء في قلبي جياع؟!
كيف السبيل إليك والشكوي ضياع؟!
حاولت يوما أن أشق البحر.. أن ألقاك..
ثار الموج.. والتهم الشراع
شاهدت طلعتك البهية..
والجنود يطاردون الناس حولك..
كان يفصلنا ذراع
وهوت علي رأسي الأيادي السود تصفعني
وتعوي فوق أشلائي الضباع
الشمس غامت في عيوني..
والمدي حولي زئير.. أو صراخ.. أو قناع
أسلمت نفسي للطريق.. ولم أزل أجري..
يطاردني قناع.. ثم يصفعني قناع
أدركت يا مولاي.. كيف يموت طفل..
لم يزر عينيه ضوء.. أو يصافحها شعاع
أدركت كيف يضيع عمر المرء.
في وهم طويل.. أو خداع
اسأل رجالك إن أردت..
عن الرحيل بلا وداع
فالناس تهرب في الشوارع..
كلما ظهر القناع
عينان غائرتان كالبحر السحيق..
رفات وجه جامد..
ويدان جاحظتان خلفهما ذراع
وعلي المدي سجن بعرض الكون..
أسنان بلون الليل.. يخفيها القناع
الأرض يا مولاي يسكنها قناع
كانت لنا وطنا كصدر الأم يحتضن الجميع
في الأمن في الماء المقطر من عيون الصبح..
في دفء الربيع
لا فرق يا مولاي في أرحامنا
يوما أتينا من ظلام دامس..
من عاش في قصر منيف..
من تسلل في القطيع
لا فرق في أنسابنا
لا فرق بين خميلة رضعت ضياء الشمس
أو أخري يحاصرها الصقيع
لكن مولاي المعظم..
لا يميل إلي الخيول
ويحب أصوات الحناجر.. والمباخر.. والطبول
لم تكره الأشجار يا مولاي ؟!
هل في النخل عيب أو رذيلة؟!
الناس تفرح كلما ارتفعت وراء الأفق
نخلات جميلة
حتي العصافير الجميلة هاجرت
خلف الأماني.. والأغاني المستحيلة
غنت لنا زمنا.. وقد كبلتها
في ساحة الطغيان مرغمة ذليلة
غزت الخفافيش الكئيبة أرضنا
وغدت خطي الفرسان مثقلة هزيلة
لا خير في وطن يبيع خيوله
كي يشتري بالعار أحزان القبيلة


*******

هذا هو النسيان يا مولاي يطردنا من التاريخ
والأمس الحزين الآن يصرخ حولنا
لا شيء يبدو في الظلام أمامنا
هذي خيول الأمس تركض بالبطون..
صهيلها المهزوم.. يبكيها.. ويبكي حالنا
غيرت خارطة الزمان..
بنيت أشباحا علي الطرقات..
تشبهنا.. وتحمل اسمنا
مولاي أخطأنا كثيرا في الحساب..
فقد نسينا ما عليك.. وكم نسينا ما لنا
أجهضت آخر ما تبقي من ليالي الحلم
من زمن البراءة بيننا
لكنه زمن الخضوع.. وسطوة الطغيان..
والجلاد يرتع خلفنا
فلكم حلمنا أن نري
وطنا عزيزا آمنا
ولكم حلمنا أن نري
شعبا نقيا.. مؤمنا
وطنا ترهل خلف قافلة الزمان..
يسير مكتئبا حزينا.. واهنا
يا أيها الفرعون.. فارحل عن مدينتنا
كفاك الآن طغيانا وظلما بينا
افتح لنا الأبواب..
واتركنا لحال سبيلنا
أتري تصدق أن يكون الخوف حصنا آمنا؟!
أتري تصدق أن يصير الحلم يوما مدفنا؟
ما عدت أملك غير فقري مسكنا
ما عدت أعرف غير حزني موطنا
فلقد نسيت طوال عهدك من أنا
ارحل وخلفك لعنة التاريخ..
أما نحن..
فاتركنا لحال سبيلنا..
نبني الذي ضيعت من أمجادنا
نحي الذي ضيعت من أعمارنا
دعنا نفتش في خريف العمر..
عن وطن عريق.. كان يوما للكرامة موطنا..
الناس تصرخ في الشوارع.. أرضنا أولي بنا
والأرض قد عادت لنا
الأرض قد عادت لنا

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

امام الشيطان

في عيد الثورة (شعر من حسني مبارك اهداء الي شعب مصر)